Back to top
2 ديسَمْبِر / كانون الأول 2021

ضرورة اتخاذ إجراءات للتصدي للمراقبة المستهدفة للمدافعين عن حقوق الإنسان

تعرب فرونت لاين ديفندرز عن قلقها العميق إزاء الاستخدام المتزايد لتكنولوجيا المراقبة التي أنشأتها الشركات الخاصة، من قبل الحكومات لاستهداف المدافعين عن حقوق الإنسان وترهيبهم والانتقام منهم، وإزاء الإفلات من العقاب الذي تواجهه هذه الشركات بسبب التأثير السلبي لمنتجاتها وخدماتها على حقوق الإنسان. في نوفمبر 2021، تبنت اللجنة الثالثة للجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا بشأن توفير بيئة آمنة ومواتية للمدافعين عن حقوق الإنسان وضمان حمايتهم. وقد دعا القرار الدول، من بين توصيات أخرى، إلى الامتناع عن استخدام تقنيات المراقبة لاستهداف المدافعين عن حقوق الإنسان. ترحب فرونت لاين ديفندرز بهذه الدعوة وتحث الدول على المضي قدمًا وفرض حظر على بيع تكنولوجيا المراقبة على الفور إلى أن يتم توفير إشراف ووضع ضمانات مناسبة.  

في تشرين الأول (أكتوبر) 2021، كشفت فرونت لاين ديفندرز عن برنامج تجسس للمراقبة على أجهزة ستة مدافعين فلسطينيين عن حقوق الإنسان.1 وجاء هذا الكشف بعد أيام فقط من إصدار وزارة الدفاع الإسرائيلية أمرًا بإعلان منظمات المجتمع المدني الفلسطينية التي يعملون فيها "منظمات إرهابية" بموجب قانون مكافحة الإرهاب الإسرائيلي. وكان المدافعون المستهدفون هم غسان حليقة، الباحث الميداني والمدافع عن حقوق الإنسان العامل في مؤسسة الحق، وأبي العبودي، وهوالمدير التنفيذي لمركز بيسان للبحث والتطوير، وصلاح حموري، المحامي والباحث الميداني العامل في مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، وثلاثة آخرين ممن يرغبون في عدم الكشف عن هويتهم. وقد كانت أجهزتهم مصابة ببرنامج تجسس بيجاسوس الذي طورته شركة التسلح الالكتروني الإسرائيلية مجموعة ان اس أو للتكنولوجيات 

في يوليو 2021، كشف مشروع بيجاسوس، وهو نتيجة تعاون بين منظمة فوربيدن ستوريز ومنظمة العفو الدولية و 17 مؤسسة إعلامية بما في ذلك لو موند و ذي جرديان و ذي واشنطن بوست و داي زايت، أن المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين والمحامين في جميع أنحاء العالم كانوا تحت المراقبة من قبل الحكومات التي تستخدم برنامج التجسس بيجاسوس.2 كشف المشروع أنه بإمكان بيجاسوس استخراج الرسائل والصور وكلمات المرور والوصول إلى الميكروفون والكاميرا لتسجيل وجمع المعلومات من التطبيقات. كشف المشروع أيضًا عن قائمة تضم 50000 رقم هاتف تم تحديدها على أنها لأشخاص مهمين لعملاء مجموعة ان اس أو للتكنولوجيات بما في ذلك أعداداً كبيرة من المدافعين عن حقوق الإنسان، على الرغم من إصرار مجموعة ان اس أو للتكنولوجيات على استخدام التكنولوجيا لاستهداف الإرهابيين والمجرمين.3  

 اكتشفت فرونت لاين ديفندرز الإصابات على ستة أجهزة لمدافعين عن حقوق الإنسان فلسطينيين (اطلع على المزيد في تقريرنا)، والتي أكدها كل من سيتيزن لاب ومختبر الأمن التابع لمنظمة العفو الدولية. إضافة إلى ذلك، يعد التصنيف الإسرائيلي لهذه المنظمات كـ"منظمات إرهابية" تقريباً في نفس الوقت الذي تم فيه اكتشاف برنامج بيجاسوس على أجهزتهم دليلاً آخر على أنه على الرغم من احتجاجاتهم، يتم استخدام بيجاسوس لاستهداف المدافعين عن حقوق الإنسان.

يعد تأثير الخضوع لمثل هذا المراقبة المتطفلة كبيراً. تعمل فرونت لاين ديفندرز أيضًا مع ثلاثة مدافعين عن حقوق الإنسان من مركز البحرين لحقوق الإنسان واجهوا مرة أخرى المراقبة منذ حوالي عام 2017، عندما كان هناك دليل على أن حكومة البحرين اشترت برنامج تجسس بيجاسوس.4 عبر المدافعون عن شعورهم بأنهم في حالة تأهب قصوى، كما لو أنهم تحت المراقبة المستمرة. كما أفادوا بأنهم غير قادرين على النوم وقلقون للغاية بشأن رفاهية أسرهم. لا تعتبر مخاوفهم غير مبررة، ففي عام 2012، تعرض المدافع عن حقوق الإنسان والمحامي محمد التاجر للتهديد من قبل شخص يعتقد أنه عميل استخبارات لحكومة البحرين. وهدد الجاني بنشر صور وفيديوهات حميمة لمحمد التاجر وزوجته. وقد تم فعلاً نشر هذه الصور ومقاطع الفيديو الخاصة لاحقًا عبر الإنترنت. على الرغم من إزالة برامج التجسس بيجاسوس الآن من أجهزة المدافعين في مركز البحرين لحقوق الإنسان، لا توجد طريقة لمعرفة  أي من البيانات الشخصية قد تم أخذها بالفعل، أو ما إذا كانت الأجهزة قد تتعرض للإصابة مرة أخرى ومتى. ولذلك، لا يزال الخوف من نشر البيانات الخاصة على الملأ قائمًا. 

غالبًا ما تُستخدم تقنيات المراقبة لاستهداف المدافعين عن حقوق الإنسان في محاولة لثنيهم عن مواصلة عملهم في مجال حقوق الإنسان. يساهم انتشار إساءة استخدام تكنولوجيا المراقبة في إحداث تأثير مخيف يدرك فيه المدافعون أنه قد يتم استهدافهم من خلال هذه التقنيات، وبالتالي قد يصبحون خائفين من مواصلة عملهم. في أعقاب فضيحة بيجاسوس، أبلغنا العديد من المدافعين عن حقوق الإنسان أنهم عمدوا إلى تقليص عملهم العلني في مجال حقوق الإنسان.

استحوذ الكشف عن برنامج بيجاسوس التابع لمجموعة ان اس أو للتكنولوجيات على انتباه العالم، إلا أن تقنية المراقبة التي أنشأتها الشركات الخاصة والتي تُستخدم لاستهداف المدافعين عن حقوق الإنسان ليست بجديدة. ففي عام 2019، وجد المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير أن "مراقبة الأفراد – وهم غالبًا صحفيون ونشطاء وشخصيات معارضة ونقاد وغيرهم ممن يمارسون حقهم في حرية التعبير - تؤدي إلى الاعتقال التعسفي، وأحياناً التعذيب وربما القتل خارج نطاق القضاء ".5 

في الهند في يونيو 2018، سُجن ستة عشر من المدافعين عن حقوق الإنسان بموجب قانون مكافحة الإرهاب، فيما يُعرف بقضية بهيما كورجاون، والتي تتعلق بالعنف الذي وقع في بهيما كورجاون في 1 يناير 2018. توفي أحد المدافعين وهو الكاهن اليسوعي ستان سوامي البالغ من العمر 84 عامًا  في الحجز في يوليو 2021. وجد تحقيق للطب الشرعي الرقمي أن "الدليل" الذي اعتمد عليه الادعاء قد تم زرعه من خلال برامج ضارة على أجهزة الكمبيوتر الخاصة بالمدافعين عن حقوق الإنسان رونا ويلسون وسوريندرا جادلينج وأنه لم يكن هناك دليل على تفاعل المدافعين مع هذه الملفات.6 وجدت منظمة العفو الدولية وسيتيزن لاب أيضًا أن تسعة مدافعين آخرين عن حقوق الإنسان قد تم استهدافهم في عام 2019 في هجوم منسق باستخدام البرامج الضارة. كان ثمانية من المدافعين التسعة قد عملوا في حملات لإطلاق سراح محتجزي بهيما  كوريجاون7. 

إن الافتقار إلى الشفافية فيما يتعلق بشركات المراقبة الخاصة هذه يعني أن المجتمع المدني لا يملك إلا القليل من المعلومات، وذلك إن وجدت، حول كيفية نظرهم في آثار منتجات الشركات على حقوق الإنسان. تنص مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان على أن جميع الشركات تتحمل مسؤولية احترام حقوق الإنسان؛ وهي مسؤولية يجب أن تتمسك بها من خلال الالتزام بسياسة احترام حقوق الإنسان بالإضافة إلى بذل العناية الواجبة بحقوق الإنسان لتحديد ومن ثم منع أو تخفيف أي آثار محتملة أو فعلية لأعمالهم على حقوق الإنسان. يجب أن تتضمن عملية العناية الواجبة التشاور المستمر مع المجموعات المتأثرة

على الرغم من الالتزامات،8 فإن التحقيقات التي أجرتها فرونت لاين ديفندرز، ومنظمة العفو الدولية، وسيتيزن لاب، وآخرون  والتي تُظهر وجود برنامج بيجاسوس الضار على العديد من الأجهزة التي يملكها المدافعون عن حقوق الإنسان من جميع أنحاء العالم، تُظهر أن مجموعة ان اس أو للتكنولوجيات لم تتخذ العناية الواجبة الكافية لضمان ألاّ يتم استخدام المنتج لارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان.

على حد تعبير ميشيل باشيليت، مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، فإن "المستوى غير المسبوق اليوم من المراقبة عبر العالم من قبل الجهات الحكومية والخاصة لا يتوافق مع حقوق الإنسان ... ليس على الدول فقط واجب الامتناع عن هذه الانتهاكات، ولكن أيضًا واجب حماية الأفراد منها. ويمكن القيام بذلك عن طريق وضع تشريعات قوية وأنظمة مؤسسية لجعل الدول تفي بالتزاماتها في مجال حقوق الإنسان والشركات تفي بمسؤولياتها بموجب مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية للأعمال التجارية وحقوق الإنسان ". 

في أوائل تشرين الثاني (نوفمبر)، وضعت وزارة التجارة الأمريكية مجموعة ان اس أو للتكنولوجيات على قائمتها التجارية السوداء لمشاركتها في أنشطة تتعارض مع الأمن القومي أو مصالح السياسة الخارجية للولايات المتحدة.9 على الدول الأخرى إتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة ليس فقط ضد  مجموعة ان اس أو للتكنولوجيات  بل كل شركات المراقبة التي تُستخدم لاستهداف المدافعين عن حقوق الإنسان.

بينما نرحب بقرار الأمم المتحدة في نوفمبر 2021  بشأن تنفيذ إعلان حق ومسؤولية الأفراد والجماعات وهيئات المجتمع في تعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية المعترف بها عالميًا من خلال توفير بيئة آمنة ومواتية للمدافعين عن حقوق الإنسان وضمان حمايتهم، بما في ذلك في سياق جائحة مرض فيروس كورونا (كوفيد 19) وخلال التشافي منه، والذي يدعو الدول إلى الامتناع عن استخدام تقنيات المراقبة لاستهداف المدافعين عن حقوق الإنسان، هناك حاجة ماسة لاتخاذ إجراءات حاسمة.

 

على وجه الخصوص، نوصي الدول بما يلي:

  • فرض حظر على تصدير تقنيات المراقبة من قبل شركات الأمن الخاصة إلى أن يتم وضع اللوائح التي يمكن أن تجعل شركات تكنولوجيا المراقبة مسؤولة عن آثارها السلبية على حقوق الإنسان.
  • يجب الدعوة إلى تحقيقات مستقلة وشفافة في جميع الحالات المزعومة لانتهاكات المراقبة المستهدفة.
  • تحميل شركات المراقبة المسؤولية عن آثارها على حقوق الإنسان من خلال تطوير إطار قانوني يتطلب من شركات المراقبة بذل العناية الواجبة في مجال حقوق الإنسان لتحديد ومنع وتخفيف ومعالجة أي آثار على حقوق الإنسان نتيجة استخدام منتجاتها. يجب أن يتم ذلك قبل بيع أو نقل أي تقنية مراقبة وخلال أي شراكات مع شركات و/أو حكومات أخرى وأن تشمل المسؤولية الأضرار التي لم يتم منعها بشكل مناسب.
  • إنشاء آلية مستقلة للإشراف على الشركات التي تبيع برامج التجسس لمراقبتها والتحقيق في استخدامها والتأكد من أن هذا الاستخدام يتوافق مع حقوق الإنسان.
  • اعتماد تشريعات تنص على الشفافية في بيع واستخدام تقنيات المراقبة، بما في ذلك عمليات العناية الواجبة بحقوق الإنسان ونتائجها.
  • ضمان وضع التشريعات المعتمدة لتنظيم شركات تكنولوجيا المراقبة بالتشاور مع المدافعين عن حقوق الإنسان الذين تأثروا من جراء إساءة استخدام تقنيات المراقبة.
  • تعزيز السياسات التي تعزز وتقوي وتروج لاستخدام التشفير القوي.

 
_________________________________________________________________________________________________________________________________________________