Back to top

شهادة أنور البُنّي

Title: 
شهادة أنور البُنّي

 

تجربتنا كنشطاء حقوق إنسان في سوريا في مواجهة القمع والاعتقال ربما أصبحت أقل شأنا من هول الفظاعات والانتهاكات التي شاهدناها ووثقناها عبر السنوات الخمس الماضية ,

تجربتي الشخصية بالاعتقال لمدة خمس سنوات بين أيار 2006 وأيار 2011 , وتجربتي مع عائلتي الصغيرة " أخوتي الثلاثة وأختي وزوج أختي وزوجة أخي " التي عانت أكثر من سبعون سنة من الاعتقالات خلال حكمي الأسد الأب والأبن بين أعوام 1977 وحتى 2011 , ربما لم تعد ذا شأن أمام الشهادات التي نوثقها عن ما عاناه ويعانيه الشعب السوري من اعتقال وموت تحت التعذيب ودمار للبيوت وأشلاء الأطفال والنساء والمدنيين بالبراميل المتفجرة والطائرات واستخدام السلاح الكيميائي واستخدام التجويع حتى الموت ضد المدنيين بفرض الحصار الكامل على المناطق والبلدات, كل ذلك وأكثر أصبح الهاجس الأساسي للنشطاء السوريين الذين ما زالوا يتعرضوا لأبشع الانتهاكات من قبل كل الأطراف في سوريا فمازال المحامي خليل معتوق معتقلا لدى النظام السوري دون أي خبر عنه مع عشرات المحامين وباسل خرطبيل مهندس الأنترنت والآلاف من نشطاء حقوق الإنسان والأطباء ورموز المجتمع المدني عائلا بكاملها مع أطفالها معتقلين في سجون النظام . وما زالت المحامية رزان زيتونة والمحامي ناظم حمادي ورفاقهم مختطفين من قبل مجموعة مسلحة بدوما منذ أكثر من سنة وما زال المحامي عبد الله خليل مختطفا من قبل داعش منذ أكثر من سنتين وجميعهم لا يوجد أي خبر عنهم .وجميعهم أصدقاء شخصيون لي.

ومن تجربتي الشخصية بموضوع المعتقلين باعتبارنا كمجموعة محامين نتابع موضوعهم وندافع عنهم أمام المحاكم المختلفة وخاصة محكمة الإرهاب فإننا نؤكد أن هناك ما يزيد عن مائة وخمسون ألف معتقل مازالوا مجهولي المصير لدى النظام السوري وهناك حوال الخمسة آلاف معتقلين لدى باقي التنظيمات المسلحة , وأن ظروف الاعتقال لدى النظام السوري هي أبشع مما يمكن تصوره , فيمنع على المعتقل اي اتصال بالعالم الخارجي لمدة سنوات ويمارس عليه تعذيب شديد مؤدي للموت ويحرم من أي عناية أو مساعدة طبية ويتم تجويعهم بشكل مقصود ويتم حشرهم بأماكن ضيقة وأعداد كبيرة مما يعني استمرارهم وقوفا لمدة طويلة دون إمكانية الجلوس , كل هذه الشروط أدت لموت ما يزيد عن خمسون ألف معتقل في معتقلات النظام حتى الآن بسبب التعذيب أو الجوع أو الاختناق أو الحرمان الكامل من الرعاية الطبية , هذا إذا أضفنا لها جريمة إعدام المعتقلين بشكل مباشر إذا أصبح مكان الاعتقال مهددا أن يتم الانسحاب منه وهذا ما تم توثيقه في مدينة إدلب حيث تم تصفية المعتقلين بإطلاق الرصاص عليه وهم بالزنزانات قبيل انسحاب عناصر الأمن من المكان .وبالإضافة إلى استخدام المشافي العسكرية والكادر الطبي لإعدام المعتقلين بحقنهم بمواد قاتلة .

هناك عشرات الألوف من المعتقلين أحيلوا لمحكمة الإرهاب مازال أكثر من خمس وعشرون ألف منهم يحاكمون الآن أمامها , بالإضافة إلى حوالي عشرون ألف يحاكمون أمام المحكمة الميدانية العسكرية وهي محكمة استثنائية لا يسمح للمعتقل بالاستعانة بمحامي أمامها وتكون سرية.

تجربتنا الآن هي ليس فقط ما تعرضنا له من قمع وسجن وتعذيب فقط بل هي ما شهدناه ووثقناه من جرائم ضد الانسانية وجرائم حرب ارتكبت ومازالت ترتكب على مرأى ومسمع العالم دون أن يتم تحريك ساكن لوقفها ولا لمحاسبة مرتكبيها . تجربتنا كشفت ضعف وتلاشي صوت حقوق الإنسان أمام العالم عندما يتعلق الأمر بمصالح اقتصادية وسياسية للدول مما أدى إلى انعدام الثقة بعمل منظمات حقوق الإنسان وجدوى وجودها ,

يتوجب علينا أن نخلق آليات جديدة لعمل منظمات حقوق الإنسان لا تقتصر على التوثيق وإطلاق النداءات والبيانات بل تؤثر أكثر لتغيير الواقع وفرض احترام مبادئ حقوق الإنسان ومحاسبة المنتهكين وإعادة الثقة بعمل منظمات حقوق الإنسان ووجودها. ومن أجل هذا فإننا قد باشرنا بإنشاء المحكمة السورية لمنع الإفلات من العقاب التي آمل أن تتطور لتشمل كل المناطق التي لا يتوفر بها قضاء عادل ونزيه وتسود فيها سياسة الإفلات من العقاب .

المحامي أنور البني

رئيس المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية

Photo: 
Anwar Al-Bunni
Quote: 

ظروف المعتقلين مع نظام السجون أمر لا يمكن تصوره. المعتقلون محرومون لأعوام من الاتصال بالعالم الخارجي. يتم تعذيبهم بشدة، وأحيانا إلى درجة الموت. محرومون من الرعاية الطبية، ويتم تجويعهم بتعمد.